مقالات قانونية
ركن الضرر الموجب للتعويض في الشريعة والقانون السعودي وأقسامه
تعريف الضرر : إلحاق مفسدة بالغير مطلقا ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتقرير رفع الضرر عن المتضرر ، وجبره بما يزيل الضرر كاملا أو أثره الواقع على المتضرر كحد أدنى ، كما جاء في حديث : “لا ضرر ولا ضرار” ومنه انبثقت العديد من القواعد والضوابط الفقهية الكلية أو الجزئية مثل القاعدة الكلية : “الضرر يزال ” التي هي من القواعد الخمس الكبرى التي يبنى عليها الدين والفقه الإسلامي بشكل عام قال الإمام المرداوي الحنبلي عنها : ” وهذه القاعدة فيها من الفقه ما لا حصر له ، ولعلها تتضمن نصفه ، فإن الأحكام إما لجلب المنافع أو لدفع المضار ، فيدخل فيها دفع الضروريات الخمس” ومثل قاعدة : “درء المفاسد أولى من جلب المصالح” ومثل قاعدة “الضرر لا يزال بمثله” أو قاعدة “الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف” ومثل قاعدة “يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام “ ومثل قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” ومثل قاعدة “الضرورات تقدر بقدرها “وغيرها من القواعد التي تنظم رفع الضرر ودفعه سواء قبل وقوعه ، أو إزالته بعد وقوعه وبيان ضوابط الإزالة وكيفيتها.
أما في النظام السعودي ؛ فبما أن أساسه منبثق من الشريعة الإسلامية ، فإنه لم يخرج عن إطار القواعد والضوابط الفقهية المشار إليها ، ولذا فقد جعل المنظم السعودي الضرر ركنا من أركان المسؤولية العقدية والتقصيرية ، فلا يكفي وقوع الخطأ أو التقصير حتى يكون التعويض مقبولا ، بل لا بد من وقوع ضرر متحقق ، وكل فعل أو امتناع لم يترتب عليه ضرر متحقق ، لا يصح التعويض عنه.
أقسام الضرر :
بموجب اعتبارات عدة ينقسم الضرر إلى أقسام وتفصيلها كالتالي :
أولا : باعتبار موضوع الضرر : ينقسم إلى ضرر مادي ، وضرر معنوي
ثانيا : باعتبار وقوعه على المتضرر : ينقسم إلى ضرر مباشر ، وضرر غير مباشر
ثالثا : باعتبار مقداره : ينقسم إلى ضرر محدد القيمة والمقدار ، وضرر تقديري
رابعا : باعتبار ثبوته : ينقسم إلى ضرر متحقق الوقوع ، وضرر محتمل الوقوع
ولشرح هذه الأقسام يلزم بيان الأمثلة عليها لتتضح الصورة المراد إيصالها :
1ـ الضرر المادي ، والضرر المعنوي :
الضرر المادي : هو الضرر الحسي الذي يصيب المرء في نفسه وماله ، وما تحت تصرفه ويده ، سواء أكانت في المتلفات أو في إسقاط للحقوق والالتزامات
الضرر المعنوي : هو الضرر الذي يصيب المرء فيما عدا ما ذكر في الضرر المادي ، ويدخل فيه الضرر النفسي والأدبي ، أو الضرر المتعلق بالسمعة والشرف ، أو الضرر المتعلق بالفكر والمعتقد
وقد حصرت الشريعة موجب التعويض في النوع الأول ، وهو الضرر المادي ، وقررت أن التعويض عن الضرر المعنوي لا يصح ، لتعذر تقدير الأمور المعنوية بالأقيام المادية ، وعليه استقر القضاء السعودي بشكل عام.
ومن الأمثلة على التعويض عن الضرر المادي : أن يقع حادث سير ويتضرر الراكب بسبب خطأ السائق الآخر ، فيتم حساب أرش الإصابة وفق القواعد الفقهية المقررة ، وتحديد نسبة العجز ، من واقع كلام الفقهاء في باب الديات والشجاج ، ثم يحسب التعويض بناء عليها ، فهذا ضرر مادي تمثل في الإصابات الظاهرة على جسد المتضرر
ومن الأمثلة على الضرر المعنوي : التشهير بالمتضرر وإساءة سمعته في منصة إعلامية ، فيحصل له ضرر عاطفي ونفسي ، لا يتعدى إلى وقوع أضرار مادية ، فهذا الضرر لا يصح التعويض عنه بمقابل مادي ، وإنما جبره يكون عن طريق المجازاة والعقوبة النظامية التي تصدرها المحكمة.
2 ـ الضرر المباشر ، وغير المباشر :
الضرر المباشر : هو الضرر الذي لا يمكن للمتضرر تجنبه
الضرر غير المباشر : هو الضرر الواقع على المتضرر وكان بإمكانه تجنبه وتفاديه
وما يوجب التعويض من هذين النوعين ، هو الضرر المباشر ، أما الضرر غير المباشر فلا يوجب التعويض لقيام ركن خطأ التفريط والإهمال من المتضرر نفسه
ومن الأمثلة على التعويض عن الضرر المباشر : لجوء المتضرر إلى الترافع عن طريق المحامي بعد أن استنفد محاولة إخطار الخصم بأداء الحق المدعى به قبل اللجوء إلى المحامي ورفع الدعوى ، فهنا كان الخطأ المتمثل في مماطلة الخصم بأداء الحق سببا في وقوع الضرر المباشر على المتضرر ، ولم يمكن الأخير تجنب هذا الضرر لكونه استوفى إخطار الخصم بأداء الحق المدعى به
ومن الأمثلة على التعويض عن الضرر غير المباشر : في نفس المثال السابق : لجوء المتضرر إلى الترافع عن طريق المحامي ، دون أن يقوم بمحاولة إخطار الخصم بأداء الحق المدعى به قبل اللجوء إلى المحامي ورفع الدعوى ، ففي هذه الحالة ، كان هناك ضرر وقع على المتضرر ، ولكن التسبب به خطآن ، من الطرفين كليهما الأول خطأ الخصم المتمثل في عدم سداد المديونية ، والثاني خطأ المتضرر نفسه بعدم إشعار الخصم بأداء الحق قبل اللجوء للمحامي ورفع الدعوى ، ذلك أن نظام المحاكم التجارية نص في مادته التاسعة عشرة على وجوب إخطار المدعى عليه بأداء الحق المدعى به قبل خمسة عشر يوما على الأقل من إقامة الدعوى وفق التفصيل المنصوص عليه في المادة التاسعة والستين من اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية ، وبناء عليه يكون الضرر الواقع على المتضرر في هذه الحالة ضررا غير مباشرا ، لإمكانه تجنبه بإخطار الخصم بأداء الحق.
3 ـ الضرر القيمي المحدد ، والضرر التقديري :
الضرر المحدد القيمة : هو الضرر الذي يمكن حساب قيمته دون تقدير ، بشكل مسبق
الضرر التقديري : هو الضرر الذي لا يمكن حساب قيمته بشكل مسبق إلا بتقدير
وكلا النوعين يدخلان في التعويض الجائز شرعا وقانونا
ومن الأمثلة على الضرر المحدد القيمة : التعويض عن مصاريف التقاضي وأتعاب المحاماة المتعلقة بعقد بين المتضرر وبين المحامي ، تكون مطالبة المتضرر لخصمه بنفس القيمة التي دفعها المتضرر للمحامي ، كأن يكون عقده مع محاميه 50.000 ريال ، فتكون مطالبته بالتعويض ضد خصمه بنفس المبلغ ، فهذا ضرر محدد القيمة بشكل مسبق
ومن الأمثلة كذلك : التعويض عن الشرط الجزائي المقرر في عقد أعمال مقاولة ، ويتمثل ذلك في مطالبة المالك للمقاول بغرامة تأخير إنجاز الأعمال بنسبة 10% من قيمة العقد البالغ قدره 100.000 ريال فيكون التعويض المطلوب نسبة 10% أي مبلغ 10.000 ريال فهذا مبلغ تعويضي محدد المقدار بشكل مسبق
ومن الأمثلة على الضرر التقديري : مطالبة المالك للمقاول بالتعويض عن قيمة متلفات معدات أتلفها المقاول في موقع المشروع ، فإن تقدير قيمة التعويض تستلزم تقدير قيمة المعدة قبل التلف ، وتقدير قيمتها بعد التلف ، ثم يتم حساب التعويض بالفرق بينهما ، ومثل ذلك حساب أرش التلفيات لحوادث السير ، وتقدير الإصابات والشجاج ، كلها من التعويضات التقديرية عن الأضرار
4ـ الضرر المتحقق الوقوع ، والضرر المحتمل :
الضرر المتحقق الوقوع : هو الضرر الثابت وقوعه حالا غير مستقبلي ، بكونه ناتجا عن الخطأ محل مطالبة التعويض
الضرر المتحمل الوقوع : هو الضرر غير المتحقق وقوعه مستقبلا ، والمقصود بالضرر المحتمل ؛ الناتج عن الخطأ محل مطالبة التعويض ، وليس الوقوع الفعلي للضرر عدمه ، لأن مجرد وقوع الضرر ليس موجبا للتعويض إلا بتحقق ركن العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
ومن الأمثلة على الضرر المتحقق الوقوع : هو الضرر المباشر المتمثل في التعويض عن تلفيات حوادث السير أو التعويض عن مصاريف التقاضي ، فهذه أضرار وقعت بشكل حال مباشر متحقق وقوعها
ومن الأمثلة على الضرر غير المتحقق الوقوع : هو الضرر بفوات المنفعة بالمال الذي ماطل المدين بسداده للدائن ، أو ضرر انخفاض المبيعات ، أو تراجع تصنيف كيان تجاري ، ونحوها من الأضرار التي تقع على الجهة المتضررة ، ولم تثبت العلاقة السببية بينها وبين الخطأ الصادر من الخصم
وسنتناول في مقال مستقبلي أهم الإجراءات المتخذة من المحاكم في دعاوى التعويض ، كما سنشير إلى الأخطاء التي تقع فيها الكيانات المتضررة أمام المحاكم ، لتلافيها في أي دعوى مستقبلية .
وبالله التوفيق ..
للمزيد من المعلومات وطلب الاستشارات القانونية يسعدنا تواصلكم معنا عبر الواتساب على الرقم : 0539999500